نجيب الريحاني كان إحدى الشخصيات الكبيرة في عالم الفن والتمثيل، ولعب دورًا هامًا في تطوير المسرح والسينما المصريين. حياته ومسيرته الفنية كانت مليئة بالإبداع والنجاحات وأثرت بشكل كبير على الفن المصري والعربي بشكل عام.
العملاق نجيب الريحاني
حياته العامة
وُلد نجيب أبو الياس ريحان في درب مصطفى بباب الشريعة في عام 1892، وكان الثاني بين إخوته الثلاثة. والده كان رجل أعمال من بلدة الريحان في العراق، بينما والدته كانت مصرية تُدعى لطيفة ومن صعيد مصر. يُقال أن والده كان يمتلك مصنعًا للجبس في باب البحر، ولكن هناك نظريات أُخرى تُشير إلى أنه كان رجل أعمال آخر. ورغم أن مذكرات الريحاني لا تحتوي على أية معلومات عن والده.
تمت مشاركة نجيب في تعليم اللغة الفرنسية في مدرسة الفرير بالخرنفش، حيث استجاب لنصيحة صديق بالبدء في تعلم اللغات لأنها تفتح الأبواب أمام فرص العمل. أتقن اللغة الفرنسية بشكل ممتاز، وهذا كان أحد أسباب شهرته. لقد قام بترجمة العديد من أعمال الأديب الفرنسي الساخر موليير، وقد أثرت هذه الترجمات بشكل كبير على شخصيته.
نشأ نجيب وإخوته في بيئة ميسورة ورعاية والده الذي كان يُقدِّم لهم الدعم. انطلق نجيب نحو نجاحات دراسية وكان على أعتاب البكالوريا، ولكن وفاة والده حالت دون استكمالها. وقد ترك والده كل ما يملك لشقيقته إيلياس وابنتها، مارك، تاركًا زوجته وأبنائه دون دعم مادي.
بعد وفاة والده، بدأ نجيب في البحث عن وظيفة لمساعدة عائلته. كان لديه اهتمام بالفن، وتعلم الكثير من والدته الساخرة التي نمت في فترة زمنية تشهد توترات اجتماعية كبيرة في مصر. أدرك نجيب ما كانت تمر به مصر من تحولات وأحداث هامة خلال هذه الفترة.
بعد اكتمال تعليمه، بدأت ملامح السخرية تظهر في شخصيته، لكنه كان يخجل من التعبير عنها. حصل على شهادة البكالوريا، ولكن نتيجة تراجع تجارة والده، قرر العمل ككاتب حسابات في البنك الزراعي. هناك التقى بالفنان عزيز عيد، الذي كان معروفًا في أوساط الفن في مصر. وبسبب اهتمام نجيب بالفن، انضم إلى فرقة عزيز عيد واكتشف موهبته في الفن.
هذا الاهتمام بالفن أثر على حياته اليومية، حيث كان يجبر على السهر والغياب عن العمل، مما أدى في النهاية إلى فصله من البنك. في تلك الفترة، كان المسرح في مصر متأخرًا، وكانت الفرق الفنية معظمها من الشام. عزيز عيد قام بتغيير هذه الوضعية وقاد تحولًا في المفاهيم الفنية.
بحث نجيب الريحاني عن فرصة جديدة وانضم إلى فرقة سليم عطا الله، لكنه تم استبعاده وذلك أثار تساؤلاته حول مدى قبول النجاح الفني والأداء الجيد عند البعض. انتقل إلى عمل ككاتب حسابات في شركة السكر بنجع حمادي بالصعيد، وكانت تلك الشركة مملوكة بشكل كامل للمستثمر المصري عبود باشا، الذي أسس العديد من الشركات في مختلف القطاعات.
ولكن هذه الوظيفة البسيطة التي كان نجيب الريحاني يحصل على راتب شهري قدره ستة جنيهات، وهو مبلغ مقبول في تلك الحقبة، لم ترقَ لطموحه. قرر أن يستقيل منها ويعود إلى القاهرة، ولكن اكتشف أن الأمور قد تغيرت بشكل كبير وأصبح العثور على وظيفة أمرًا شبه مستحيلًا. لغته الفرنسية التي اجتهد في تعلمها لم تعد مطلوبة، حيث تم التفضيل للإنجليزية بعد أن استولوا على معظم القطاعات الاقتصادية في مصر.
هنا بدأ مسار الريحاني الحقيقي في عالم التمثيل. بالتعاون مع عزيز عيد، لم يجدا فرصًا في المسارح المعتادة، ولكن وجدوا منفذًا في مقهى "برنتانيا"، وهو مكان يجتمع فيه الفنانون العاطلون عن العمل. تمتلك هذا المقهى رجل يوناني يُدعى بركلي، وكان مهتمًا بالفن. وهناك التقوا مع الفنانين الآخرين مثل إستفان روستي وأمين عطا الله وأمين صدقي. مُساعدة مسيو بركلي ساهمت في توفير مسرح "الشانزليزيه" بالفجالة لهم، وعلى الرغم من أنه لم يكن مسرحًا متكاملًا، إلا أنهم قاموا بتجهيزه بقدر استطاعتهم.
شكل الفنانون فرقتهم واتخذوا قرارًا غريبًا في عالم المسرح، حيث طلبوا من الجماهير إحضار كراسيهم الخاصة إلى المسرح. انضمت إلى الفرقة أيضًا روز اليوسف.
لم يكن وضعهم المالي مزدهرًا، ولكنه تحسن إلى حد ما بعد انطلاقهم. قرروا الانتقال إلى مسرح "بريتانيا" الذي كان يقع في شارع عماد الدين بالقرب من سينما كايرو بلاس. هذا القرار كان نقطة تحول في حياة نجيب الريحاني، حيث أسسوا مسرحًا يحمل اسمه. انضم إليهم أيضًا سيد درويش وبديع خيري. ورغم أن المسرح كان بسيطًا وليس له هيئة مسرحية كاملة، إلا أنهم عملوا على تجهيزه بأفضل ما يمكن.
أقدموا أول مسرحية على هذا المسرح باسم "حمار وحلاوة"، وهذه اللحظة كانت نقطة تحول في تاريخ المسرح الاستعراضي في مصر والعالم العربي. استخدموا راقصات أجنبيات في العروض، وحققوا نجاحًا كبيرًا.
قام نجيب
الريحاني وفرقته بجولة إلى تونس والجزائر لتقديم عروضهم، وبعد غياب استمر لمدة 18
شهرًا، عادوا إلى المسرح مجددًا. قدموا العديد من المسرحيات من تأليف بديع خيري،
الذي كان صديقه المقرب حتى وفاته. تشمل هذه المسرحيات "الدنيا لما تضحك
الشايب" و "لما يدلع".
بعد ذلك، انقطع نجيب الريحاني لفترة من عالم السينما، لكنه عاد ليقدم أفلامًا مشهورة مثل "صاحب السعادة كشكش بيه"، و"سلامة في خير"، و"سي عمر"، و"لعبة الست"، و"أحمر شفايف"، و"أبو حلموس". توقف مرة أخرى لمدة عامين، وبالصدفة التقى مع ليلى مراد في مصعد عمارة الإيموبليا حيث كانا يعيشان، وهناك عرض عليها العمل معه في فيلم "غزل البنات."
نجحت مسيرة نجيب الريحاني في ترسيخ مكانته كواحد من أعظم الفنانين الكوميديين في تاريخ مصر والعالم العربي. واستمر في تقديم أعمال فنية تسلط الضوء على قضايا المجتمع وتكشف العديد من المشكلات الاجتماعية.
حياته الشخصية
صحيح، على الرغم من النجاح والشهرة التي حققها نجيب الريحاني في مجال الفن، إلا أن حياته لم تخل من الهموم والأحزان. تعرض للعديد من التحديات والمصاعب خلال مسيرته الفنية وحياته الشخصية.
واحدة من هذه التحديات كانت انهيار أسعار العملات الأجنبية في وقت اشترى فيه الريحاني عملات أجنبية بأمواله الخاصة، مما أثر سلبًا على وضعه المالي وزاد من همومه.
كما انفصل عن محبوبته ومعشوقته بوسي، التي كانت دائمًا إلى جانبه. ولكن الأزمة الكبرى التي واجهها كانت عندما سافر إلى سوريا ولبنان بحثًا عن فرص جديدة في المسرح، ولكنه واجه إقبالًا ضعيفًا على عروضه. السبب كان أمين عطا الله، الذي كان يعمل معه في القاهرة، قد سرق رواياته وألحانه وشخصية كشكش بيه، وقام بتقمصها في وطنه سوريا، مما أدى إلى تشابك الأمور وتداخل الشخصيات.
لكن بعد هذه الصعوبات، ظهر الأمل من جديد عندما التقى بالفتاة الجميلة بديعة مصابني، التي كان قد التقى بها في مصر من قبل. بدأوا علاقة حب وتعاون فني، وزوجوا بعد ذلك. واشترطت بديعة أن تظل ابنتها جوليت معها وتكتب اسمها على جواز سفره، ووافق نجيب الريحاني على هذا الشرط.
قرر نجيب الريحاني السفر لتقديم عروض للجالية العربية في البرازيل، وعرض الزواج على بديعة قبل الرحيل. عاشا سويًا لفترة، لكن تداخل الشخصيات والتوترات أدت إلى انتهاء زواجهما بعد عامين.
عاش نجيب الريحاني باعتدال في الفترة الأخيرة من حياته واستمتع بثروته. قام بشراء قطعة أرض وأنشأ فيها قصرًا خاصًا له، وكان لديه أمنية خاصة بأن يتم تخصيص هذا القصر بعد وفاته لإقامة الممثلين المتقاعدين الذين يعانون من الحاجة، حيث شهد بنفسه معاناتهم بعد التقدم في السن وعدم وجود معاشات.
وفاته
نعم، نجيب الريحاني كان إحدى الشخصيات الكبيرة في عالم الفن والتمثيل، ولعب دورًا هامًا في تطوير المسرح والسينما المصريين. حياته ومسيرته الفنية كانت مليئة بالإبداع والنجاحات وأثرت بشكل كبير على الفن المصري والعربي بشكل عام.
واجه العديد من التحديات والصعوبات خلال حياته، وقد توفي بشكل مأساوي جراء تطورات طبية آنذاك. رغم رحيله، إلا أن إرثه الفني ما زال حيًا، وأعماله مستمرة في إضحاك وإسعاد الجماهير والمشاهدين. إنها قصة نجاح تلهم الأجيال الجديدة من الفنانين والمبدعين في عالم الفن.
عشرة أفلام :
- صاحب السعادة كشكش بيه 1931.
- حوادث كشكش بيه 1934.
- ياقوت أفندي في عام 1934 .
- بسلامته عايز يتجوز عام 1936.
- سلامة في خير عام 1937.
- أبو حلموس 1947.
- لعبة الست 1946.
- سي عمر عام 1941.
- غزل البنات عام 1949.
- أحمر شفايف 1946.