الإرادة الحرة هي القدرة التي يمتلكها الإنسان على اختيار أفعاله وقراراته دون تحديد أو تقييد من أي عامل خارجي أو داخلي. هي القوة التي تميز الإنسان عن باقي المخلوقات وتجعله مسؤولا عن أفعاله ونتائجها. هي أيضا الأساس الذي تقوم عليه الحياة الإنسانية والعلاقات الاجتماعية والقيم الأخلاقية والدينية.
الإرادة الحرة : حقيقة أم وهم ؟
الإرادة الحرة هي القدرة التي يمتلكها الإنسان على اختيار أفعاله وقراراته دون تحديد أو تقييد من أي عامل خارجي أو داخلي. هي القوة التي تميز الإنسان عن باقي المخلوقات وتجعله مسؤولا عن أفعاله ونتائجها. هي أيضا الأساس الذي تقوم عليه الحياة الإنسانية والعلاقات الاجتماعية والقيم الأخلاقية والدينية.
لكن هل الإرادة الحرة حقيقة موجودة في الواقع أم وهم نخدع به أنفسنا؟ هل نحن حقا نتحكم في أفعالنا وقراراتنا أم نحن مجرد عبيد للقوانين الطبيعية والعوامل البيولوجية والنفسية والاجتماعية؟ هل نحن مستقلون في اختياراتنا أم نحن محدودون بالقضاء والقدر والإرادة الإلهية؟ هذه الأسئلة هي محور الجدل الفلسفي والعلمي والديني حول مفهوم الإرادة الحرة ومدى وجودها ومحدوديتها.
في هذا المقال، سنحاول استعراض الحجج والنظريات المختلفة التي تتناول هذا الموضوع من زوايا متعددة، وسنحاول تقييمها ومقارنتها بمنهجية علمية وموضوعية، وسنحاول الوصول إلى استنتاج ورأي شخصي حول هذا الموضوع المهم والمثير.
الإرادة الحرة في الفلسفة
النظريات الفلسفية المؤيدة لوجود الإرادة الحرة
هناك ثلاث نظريات فلسفية رئيسية تدافع عن وجود الإرادة الحرة وتحاول تفسيرها وتبريرها. هذه النظريات هي :
- الليبرتارية : هي النظرية التي تعتقد أن الإنسان لديه القدرة على اختيار أفعاله وقراراته بشكل مستقل ومباشر، دون أن يكون محدودا بأي قوانين طبيعية أو عوامل خارجية أو داخلية. هذه النظرية تنفي الحتمية والسببية وتؤكد على وجود عنصر غير محدد وغير متوقع في السلوك الإنساني. هذه النظرية تعتمد على مفهوم النفس المتميز عن الجسد والمادة، وتعتبر النفس هي المصدر الحقيقي للإرادة الحرة.
- الكومباتيبلية : هي النظرية التي تعتقد أن الإرادة الحرة متوافقة مع الحتمية والسببية، بشرط أن تكون الحتمية والسببية من نوع خاص. هذه النظرية تقول أن الإنسان لديه الإرادة الحرة إذا كان يتصرف وفقا لرغباته وميوله وقيمه الداخلية، دون أن يكون مجبرا أو مضطرا من قبل أي قوة خارجية أو داخلية. هذه النظرية تعتمد على مفهوم الحتمية الناعمة والسببية العملية، وتعتبر الإرادة الحرة هي القدرة على التصرف وفقا للأسباب الحقيقية للفاعل.
- الإنكومباتيبلية : هي النظرية التي تعتقد أن الإرادة الحرة غير متوافقة مع الحتمية والسببية، ولكنها لا تنفيهما بالكامل. هذه النظرية تقول أن الإنسان لديه الإرادة الحرة في بعض الحالات وليس في بعض الحالات الأخرى، وذلك بحسب نوع الحتمية والسببية التي تحكمه. هذه النظرية تعتمد على مفهوم الحتمية القاسية والسببية الطبيعية، وتعتبر الإرادة الحرة هي القدرة على التصرف بدون أي تحديد أو تقييد من أي قوة خارجية أو داخلية.
الحجج الفلسفية المنفية لوجود الإرادة الحرة
هناك ثلاث حجج فلسفية رئيسية تنفي وجود الإرادة الحرة وتحاول إثبات عدمها وعدم معناها. هذه الحجج هي :
- الحتمية : هي الحجة التي تقول أن كل شيء في الوجود محدد مسبقا ومقدر مسبقا، وأن كل حدث يحدث بسبب حدث سابق لا مفر منه، وأن كل حدث يسبب حدثا لاحقا لا مفر منه. هذه الحجة تنفي أن يكون للإنسان أي خيار أو قرار في أفعاله وقراراته، وتعتبره مجرد جزء من سلسلة لا نهاية لها من الأسباب والآثار. هذه الحجة تعتمد على مفهوم القوانين الطبيعية والمنطقية، وتعتبر الإرادة الحرة هي مجرد وهم أو خداع.
- العشوائية : هي الحجة التي تقول أن كل شيء في الوجود غير محدد وغير مقدر، وأن كل حدث يحدث بدون سبب أو ضرورة، وأن كل حدث لا يسبب أي حدث آخر. هذه الحجة تنفي أن يكون للإنسان أي سيطرة أو تأثير في أفعاله وقراراته، وتعتبره مجرد جزء من فوضى لا نظام لها ولا معنى لها. هذه الحجة تعتمد على مفهوم الاحتمالات والإحصاءات، وتعتبر الإرادة الحرة هي مجرد صدفة أو حظ.
- السببية : هي الحجة التي تقول أن كل شيء في الوجود مرتبط بسبب أو عدة أسباب، وأن كل حدث يحدث بسبب عوامل خارجية أو داخلية، وأن كل حدث يترك آثارا خارجية أو داخلية. هذه الحجة تنفي أن يكون للإنسان أي استقلالية أو أصالة في أفعاله وقراراته، وتعتبره مجرد جزء من تفاعلات معقدة ومتنوعة. هذه الحجة تعتمد على مفهوم العلة والمعلول، وتعتبر الإرادة الحرة هي مجرد نتيجة أو تأثير.
التحديات والمشكلات الفلسفية المرتبطة بالإرادة الحرة
هناك ثلاث تحديات أو مشكلات فلسفية تواجه مفهوم الإرادة الحرة وتجعله محل شك وجدل. هذه التحديات أو المشكلات هي :
- مشكلة الشر : هي المشكلة التي تسأل عن سبب وجود الشر والظلم والمعاناة في العالم، إذا كان الإنسان لديه الإرادة الحرة ويمكنه اختيار الخير والعدل والسعادة. هذه المشكلة تنطوي على تناقض بين الإرادة الحرة والخير الإلهي، وتحتاج إلى تفسير لدور الإرادة الحرة في إنتاج الشر أو مقاومته. هذه المشكلة تعتمد على مفهوم الأخلاق والدين، وتعتبر الإرادة الحرة هي مصدر أو حل للشر.
- مشكلة الهوية : هي المشكلة التي تسأل عن ماهية الإنسان وما يميزه عن باقي المخلوقات، إذا كان الإنسان لديه الإرادة الحرة ويمكنه تحديد ذاته ومصيره. هذه المشكلة تنطوي على تعريف الإنسان وعلاقته بالجسد والنفس والمادة والروح، وتحتاج إلى توضيح لأصل وطبيعة الإرادة الحرة في الإنسان. هذه المشكلة تعتمد على مفهوم الوجود والوعي، وتعتبر الإرادة الحرة هي عنصر أو جوهر الإنسان.
- مشكلة الاختيار : هي المشكلة التي تسأل عن كيفية اتخاذ الإنسان لقراراته وأفعاله، إذا كان الإنسان لديه الإرادة الحرة ويمكنه تقييم الخيارات والنتائج. هذه المشكلة تنطوي على تحليل العوامل والدوافع والأهداف التي تؤثر على الإنسان في اختياره، وتحتاج إلى تبرير لمعايير ومبادئ الإنسان في اختياره. هذه المشكلة تعتمد على مفهوم العقل والعاطفة، وتعتبر الإرادة الحرة هي عملية أو نشاط للإنسان.
الإرادة الحرة في العلم
النظريات العلمية المؤيدة لوجود الإرادة الحرة
هناك ثلاث نظريات علمية رئيسية تدافع عن وجود الإرادة الحرة وتحاول تفسيرها وتوضيحها. هذه النظريات هي :
- النظرية الكمية : هي النظرية التي تعتقد أن العالم الفيزيائي ليس محددا ومقدرا بالكامل، وأن هناك عنصرا من الغموض والاحتمال في الطبيعة، وأن هذا العنصر يمنح الإنسان مجالا للإرادة الحرة. هذه النظرية تنفي الحتمية القاسية والسببية الطبيعية، وتؤكد على وجود مستوى آخر من الواقع لا يخضع للقوانين الكلاسيكية. هذه النظرية تعتمد على مفهوم الفيزياء الكمية والميكانيكا الكمية، وتعتبر الإرادة الحرة هي نتيجة أو تأثير للظواهر الكمية.
- النظرية العصبية : هي النظرية التي تعتقد أن العالم البيولوجي ليس محددا ومقدرا بالكامل، وأن هناك عنصرا من التعقيد والتنوع في الحياة، وأن هذا العنصر يمنح الإنسان مجالا للإرادة الحرة. هذه النظرية تنفي الحتمية الناعمة والسببية العملية، وتؤكد على وجود مستوى آخر من الواقع لا يخضع للقوانين البسيطة. هذه النظرية تعتمد على مفهوم العلوم العصبية والدماغية، وتعتبر الإرادة الحرة هي نتيجة أو تأثير للعمليات العصبية.
- النظرية النفسية : هي النظرية التي تعتقد أن العالم النفسي ليس محددا ومقدرا بالكامل، وأن هناك عنصرا من الإبداع والابتكار في الفكر، وأن هذا العنصر يمنح الإنسان مجالا للإرادة الحرة. هذه النظرية تنفي الحتمية العشوائية والسببية الاحتمالية، وتؤكد على وجود مستوى آخر من الواقع لا يخضع للقوانين الإحصائية. هذه النظرية تعتمد على مفهوم العلوم النفسية والسلوكية، وتعتبر الإرادة الحرة هي نتيجة أو تأثير للعمليات النفسية.
الحجج العلمية المنفية لوجود الإرادة الحرة
هناك ثلاث حجج علمية رئيسية تنفي وجود الإرادة الحرة وتحاول إثبات عدمها وعدم معناها. هذه الحجج هي :
- الحجة العصبية : هي الحجة التي تقول أن الإرادة الحرة هي مجرد وهم ينشأ من عدم معرفتنا بالعمليات العصبية التي تحدث في أدمغتنا، وأن كل قراراتنا وأفعالنا محدودة بالحالة الفيزيولوجية لدماغنا، وأنها محدثة بسبب عوامل خارجية أو داخلية لا نتحكم فيها. هذه الحجة تنفي أن يكون للإنسان أي استقلالية أو أصالة في أفعاله وقراراته، وتعتبره مجرد جزء من تفاعلات كيميائية وكهربائية. هذه الحجة تعتمد على مفهوم العلوم العصبية والدماغية، وتعتبر الإرادة الحرة هي مجرد خدعة أو وهم.
- الحجة النفسية : هي الحجة التي تقول أن الإرادة الحرة هي مجرد وهم ينشأ من عدم معرفتنا بالعمليات النفسية التي تحدث في عقولنا، وأن كل قراراتنا وأفعالنا محدودة بالحالة النفسية لعقولنا، وأنها محدثة بسبب عوامل اجتماعية أو ثقافية أو تاريخية لا نتحكم فيها. هذه الحجة تنفي أن يكون للإنسان أي سيطرة أو تأثير في أفعاله وقراراته، وتعتبره مجرد جزء من تفاعلات سلوكية ومعرفية. هذه الحجة تعتمد على مفهوم العلوم النفسية والسلوكية، وتعتبر الإرادة الحرة هي مجرد صدفة أو حظ.
- الحجة الإحصائية : هي الحجة التي تقول أن الإرادة الحرة هي مجرد وهم ينشأ من عدم معرفتنا بالعمليات الإحصائية التي تحدث في الواقع، وأن كل قراراتنا وأفعالنا محدودة بالحالة الإحصائية للواقع، وأنها محدثة بسبب عوامل عشوائية أو احتمالية لا نتحكم فيها. هذه الحجة تنفي أن يكون للإنسان أي خيار أو قرار في أفعاله وقراراته، وتعتبره مجرد جزء من تفاعلات معقدة ومتنوعة. هذه الحجة تعتمد على مفهوم الاحتمالات والإحصاءات، وتعتبر الإرادة الحرة هي مجرد نتيجة أو تأثير للظواهر الإحصائية.
الإرادة الحرة في الأخلاق
النظريات الأخلاقية المؤيدة لوجود الإرادة الحرة
هناك ثلاث نظريات أخلاقية رئيسية تدافع عن وجود الإرادة الحرة وتحاول تفسيرها وتوضيحها. هذه النظريات هي :
- النظرية الواجبية : هي النظرية التي تعتقد أن الإنسان لديه الإرادة الحرة ويمكنه اختيار الخير والشر، وأنه مسؤول عن أفعاله وقراراته، وأنه يجب عليه أن يتبع الواجبات والقواعد الأخلاقية التي تحدد ما هو صواب وما هو خطأ. هذه النظرية تنفي أن يكون الإنسان محدودا بأي قوانين طبيعية أو عوامل خارجية أو داخلية، وتؤكد على وجود مستوى آخر من الواقع يخضع للقوانين الأخلاقية. هذه النظرية تعتمد على مفهوم الواجب والقيمة، وتعتبر الإرادة الحرة هي مصدر أو شرط للأخلاق.
- النظرية النتيجية : هي النظرية التي تعتقد أن الإنسان لديه الإرادة الحرة ويمكنه اختيار الخير والشر، وأنه مسؤول عن أفعاله وقراراته، وأنه يجب عليه أن يتبع النتائج والآثار الأخلاقية التي تحدد ما هو صواب وما هو خطأ. هذه النظرية تنفي أن يكون الإنسان محدودا بأي قوانين طبيعية أو عوامل خارجية أو داخلية، وتؤكد على وجود مستوى آخر من الواقع يخضع للقوانين الأخلاقية. هذه النظرية تعتمد على مفهوم النتيجة والسعادة، وتعتبر الإرادة الحرة هي عملية أو شرط للأخلاق.
- النظرية الفضيلية : هي النظرية التي تعتقد أن الإنسان لديه الإرادة الحرة ويمكنه اختيار الخير والشر، وأنه مسؤول عن أفعاله وقراراته، وأنه يجب عليه أن يتبع الفضائل والصفات الأخلاقية التي تحدد ما هو صواب وما هو خطأ. هذه النظرية تنفي أن يكون الإنسان محدودا بأي قوانين طبيعية أو عوامل خارجية أو داخلية، وتؤكد على وجود مستوى آخر من الواقع يخضع للقوانين الأخلاقية. هذه النظرية تعتمد على مفهوم الفضيلة والكمال، وتعتبر الإرادة الحرة هي جوهر أو شرط للأخلاق.
الحجج الأخلاقية المنفية لوجود الإرادة الحرة
هناك ثلاث حجج أخلاقية رئيسية تنفي وجود الإرادة الحرة وتحاول إثبات عدمها وعدم معناها. هذه الحجج هي :
- الحجة النسبية : هي الحجة التي تقول أن الإرادة الحرة هي مجرد وهم ينشأ من عدم معرفتنا بالمعايير والمبادئ الأخلاقية التي تختلف من زمان إلى زمان ومن مكان إلى مكان ومن شخص إلى شخص، وأن كل قراراتنا وأفعالنا محدودة بالحالة النسبية للأخلاق، وأنها محدثة بسبب عوامل اجتماعية أو ثقافية أو تاريخية لا نتحكم فيها. هذه الحجة تنفي أن يكون للإنسان أي استقلالية أو أصالة في أفعاله وقراراته، وتعتبره مجرد جزء من تفاعلات نسبية ومتغيرة. هذه الحجة تعتمد على مفهوم النسبية والتعددية، وتعتبر الإرادة الحرة هي مجرد وهم أو خداع.
- الحجة العقلانية : هي الحجة التي تقول أن الإرادة الحرة هي مجرد وهم ينشأ من عدم معرفتنا بالحجج والبراهين العقلانية التي تحدد ما هو صواب وما هو خطأ، وأن كل قراراتنا وأفعالنا محدودة بالحالة العقلانية للأخلاق، وأنها محدثة بسبب عوامل منطقية أو علمية أو فلسفية لا نتحكم فيها. هذه الحجة تنفي أن يكون للإنسان أي سيطرة أو تأثير في أفعاله وقراراته، وتعتبره مجرد جزء من تفاعلات عقلانية ومنطقية. هذه الحجة تعتمد على مفهوم العقلانية والمنطق، وتعتبر الإرادة الحرة هي مجرد صدفة أو حظ.
الحجة العاطفية : هي الحجة التي تقول أن الإرادة الحرة هي مجرد وهم ينشأ من عدم معرفتنا بالمشاعر والانفعالات العاطفية التي تحدد ما هو صواب وما هو خطأ، وأن كل قراراتنا وأفعالنا محدودة بالحالة العاطفية للأخلاق، وأنها محدثة بسبب عوامل عاطفية أو نفسية أو شخصية لا نتحكم فيها. هذه الحجة تنفي أن يكون للإنسان أي خيار أو قرار في أفعاله وقراراته، وتعتبره مجرد جزء من تفاعلات عاطفية وشعورية. هذه الحجة تعتمد على مفهوم العاطفة والشعور، وتعتبر الإرادة الحرة هي مجرد نتيجة أو تأثير للظواهر العاطفية.
الإرادة الحرة في الإسلام
الإسلام هو دين يعتني بشؤون الإنسان في الدنيا والآخرة، ويهديه إلى ما يصلحه وينفعه في الحياة الدنيوية والأخروية. ومن أهم ما يهتم به الإسلام هو مسألة الإرادة الحرة للإنسان، وما يترتب عليها من مسؤولية وحساب. فالإسلام يعترف بأن الإنسان لديه إرادة حرة، وأنه يمكنه اختيار الخير أو الشر، وأنه يملك أفعاله وقراراته، وأنه يتحمل عواقبها. ولكن الإسلام لا يترك الإنسان متروكا بإرادته الحرة، بل يرشده ويوجهه وينظمها بالوحي والشريعة، ويضع لها حدودا وضوابط، ويهدف إلى تحقيق الخير والسلامة للفرد والمجتمع. ولهذا فإن الإسلام يقدم نظرية متكاملة ومتوازنة للإرادة الحرة، تجمع بين الإرادة الكونية لله تعالى، والإرادة الدينية لله تعالى، والإرادة الحرة للإنسان، وتربط بينها بعلاقات من القضاء والقدر والإرشاد والإكراه. وفيما يلي بيان لهذه النظرية ومكوناتها ومقاصدها.
النظرية الإسلامية المؤيدة لوجود الإرادة الحرة
الإسلام يؤمن بأن الإنسان لديه إرادة حرة، وأنه يمكنه اختيار الخير أو الشر، وأنه يملك أفعاله وقراراته، وأنه يتحمل عواقبها. وهذا ما يظهر في القرآن والسنة والإجماع والعقل. فالقرآن يقول: {وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29]، ويقول: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ} [الإنسان: 30]، ويقول: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7-8]. والسنة تقول: “إن الله تعالى خلق آدم، ثم مسح ظهره، فأخرج منه كل نسمة هو خالقها إلى يوم القيامة، ثم جعل بين عيني كل إنسان منهم نورا، فقال: أخرجوا أيها الناس، فأقبلوا على آدم، فقال: ما هؤلاء يا رب؟ قال: هؤلاء ذريتك، فرأى رجلا منهم، فأعجبه نور بين عينيه، فقال: يا رب من هذا؟ قال: هذا رجل من آخر الأمم من ذريتك يقال له داود، فقال: يا رب كم جعلت عمره؟ قال: ستين سنة، قال: يا رب زد عليه من عمري أربعين سنة، قال: فلما انقضى عمر آدم وأتاه الملك الموت، قال: أليس بقي من عمري أربعون سنة؟ قال: ألم تهبها لابنك داود؟ قال: لا، قال: بلى، وأنت ناسي، والله لا ينسى” [رواه البخاري]. والإجماع يقول: أن الإنسان مخير مسؤول عن أفعاله، وأنه لا يجوز إنكار الإرادة الحرة للإنسان، ولا إثبات الجبر له. والعقل يقول: أن الإنسان يشعر بإرادته الحرة، ويميز بين الأفعال الاختيارية والأفعال اللا اختيارية، ويعرف أنه مسؤول عن أفعاله، وأنه يستحق الثواب أو العقاب عليها.
ولكن الإسلام لا يقول إن الإرادة الحرة للإنسان هي مطلقة أو مستقلة، بل يقول إنها مرتبطة بالإرادة الكونية لله تعالى، والإرادة الدينية لله تعالى، ويفسر هذه العلاقة بمصطلحات القدرة والإرادة والخلق والفعل. فالقدرة هي ما أوجده الله تعالى في الإنسان من قوة وطاقة للقيام بالأفعال، وهي من صفات الله تعالى، وهي مشتركة بين الله تعالى والإنسان، فالله تعالى قادر على كل شيء، والإنسان قادر على بعض الأشياء. والإرادة هي ما ينويه الإنسان من الأفعال، وهي من صفات الله تعالى، وهي مشتركة بين الله تعالى والإنسان، فالله تعالى يريد ما يشاء، والإنسان يريد ما يشاء.
الحجج الإسلامية المنفية لوجود الإرادة الحرة
الإسلام يؤمن بأن الإنسان ليس مجبرا على أفعاله، وأنه ليس مكرها على شيء، وأنه ليس مظلوما في شيء، وأنه ليس محروما من إرادته الحرة، ولكنه يقول إن الإنسان مقدر على أفعاله، وأنه مرشد إلى الخير والشر، وأنه محاسب على أفعاله، وأنه مجزى على أفعاله. وهذا ما يظهر في القرآن والسنة والإجماع والعقل. فالقرآن يقول: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: 29]، ويقول: {وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَٰكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ} [البقرة: 253]، ويقول: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى: 30]. والسنة تقول: “إن الله تعالى كتب مقادير الخلائق قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة، وكان عرشه على الماء” [رواه مسلم]، وتقول: “إن أحدكم ليجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فينفخ فيه الروح، ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أم سعيد” [رواه البخاري ومسلم]. والإجماع يقول: أن الله تعالى قدر كل شيء بقدرته وعلمه، وأنه تعالى يهدي من يشاء ويضل من يشاء، وأنه تعالى يجازي العباد على أفعالهم بالجنة أو النار. والعقل يقول: أن الله تعالى هو الخالق والمدبر لكل شيء، وأنه تعالى أعلم بما يصلح العباد وما يفسدهم، وأنه تعالى أحكم بينهم بالعدل والرحمة.
ولكن الإسلام لا يقول إن القضاء والقدر والإرشاد والإكراه ينافي الإرادة الحرة للإنسان، بل يقول إنها تتوافق معها وتتممها وتنظمها. فالقضاء هو ما قضاه الله تعالى في اللوح المحفوظ من أمور الخلائق، والقدر هو ما قدره الله تعالى للخلائق في الوجود، والإرشاد هو ما أرشد الله تعالى الخلائق إلى الخير والشر بالوحي والرسالة، والإكراه هو ما أكره الله تعالى الخلائق عليه من الأمور الطبيعية واللا اختيارية. فهذه الأمور كلها تدل على عظمة الله تعالى وحكمته ورحمته، ولا تنقص من حرية الإنسان ومسؤوليته، بل تزيد منها وتحفظها. فالإنسان مقدر على أفعاله، ولكنه ليس مجبرا عليها، فهو يملك القدرة والإرادة والفعل، ولكنه لا يملك الخلق والتدبير، فهو يفعل ما يشاء، ولكن لا يحصل إلا ما يشاء الله. والإنسان مرشد إلى الخير والشر، ولكنه ليس مكرها عليهما، فهو يعرف الحق والباطل، ولكنه يختار بينهما، فهو يتبع ما يحب، ولكن لا ينال إلا ما يستحق. والإنسان محاسب على أفعاله، ولكنه ليس مظلوما فيها، فهو يتلقى الثواب أو العقاب، ولكنه يعلم السبب والحكمة، فهو يرضى بما قسم الله، ولكن لا يقنط من رحمة الله. والإنسان مجزى على أفعاله، ولكنه ليس محروما من إرادته الحرة، فهو ينال الجنة أو النار، ولكنه يشهد على نفسه وعلى ربه، فهو يسأل عما فعل، ولكن لا يعترض على ما قضى الله.
التواازن والتفاهم الإسلامي المرتبط بالإرادة الحرة
الإسلام يؤمن بأن الإرادة الحرة للإنسان هي نعمة من الله تعالى، وأنها أمانة عند الإنسان، وأنها مسؤولية على الإنسان، وأنها اختبار للإنسان، وأنها فرصة للإنسان، وأنها دعوة للإنسان، وأنها سبب للإنسان، وأنها شرط للإنسان، وأنها جوهر للإنسان. ولهذا فإن الإسلام يقدم توازنا وتفاهما إسلاميا للإرادة الحرة، يجمع بين الإرادة الكونية لله تعالى، والإرادة الدينية لله تعالى، والإرادة الحرة للإنسان، ويهدف إلى تحقيق الخير والسلامة للفرد والمجتمع. وفيما يلي بيان لهذا التوازن والتفاهم ومقاصده.
الإرادة الحرة نعمة من الله تعالى
الإسلام يعتبر الإرادة الحرة نعمة من الله تعالى، أعطاها للإنسان على سائر المخلوقات، ليميزه عنها، وليكون له شرف ومكانة عالية، فالإنسان هو الخليفة في الأرض، والمسؤول عنها، والمخاطب بالوحي والشريعة، والمدعو إلى الإيمان والعمل الصالح، والموعود بالجنة أو النار. ولهذا فإن الإنسان يجب أن يشكر الله تعالى على هذه النعمة، وأن يستعملها فيما يرضيه، وأن يحافظ عليها من الضياع والضلال، وأن يتقي الله تعالى فيما أوتي منها، وأن يسأل الله تعالى المغفرة والهداية فيما أخطأ منها.
الإرادة الحرة أمانة عند الإنسان
الإسلام يعتبر الإرادة الحرة أمانة عند الإنسان، أودعها الله تعالى فيه، ليبتليه بها، وليختبره بها، وليحاسبه عليها، فالإنسان هو الوحيد الذي قبل هذه الأمانة، وأثقلها على نفسه، وتحمل ما فيها من مشقة ومخاطرة، وقال الله تعالى: {إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ۖ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا} [الأحزاب: 72]. ولهذا فإن الإنسان يجب أن يوفي بهذه الأمانة، وأن ينفذ ما أمره الله تعالى به، وأن يجتنب ما نهاه الله تعالى عنه، وأن يعرف حق الله تعالى عليه، وحق نفسه عليه، وحق الناس عليه، وأن يقوم بالحق والعدل في كل شيء.
الإرادة الحرة مسؤولية على الإنسان
الإسلام يعتبر الإرادة الحرة مسؤولية على الإنسان، يحملها على عاتقه، ويتحمل ما فيها من ثقل وجل، فالإنسان هو المسؤول عن أفعاله وقراراته، وهو المتحمل لعواقبها، وهو المجازي على أفعاله بالثواب أو العقاب، وقال الله تعالى: {فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7-8]. ولهذا فإن الإنسان يجب أن يتقن هذه المسؤولية، وأن يتوجه بالإرادة الحرة إلى ما يصلحه وينفعه، وأن يتجنب بالإرادة الحرة ما يفسده ويضره، وأن يتبع بالإرادة الحرة الحق والخير، وأن يتجنب بالإرادة الحرة الباطل والشر، وأن يطيع بالإرادة الحرة الله ورسوله، وأن يتبع بالإرادة الحرة الشرع والسنة، وأن يعمل بالإرادة الحرة بالمعروف وينهى عن المنكر، وأن يساهم بالإرادة الحرة في بناء الأرض وإصلاحها، وأن يحقق بالإرادة الحرة العدل والمساواة والتعاون والتآخي بين الناس.
خاتمة
في هذه المقالة، تناولنا موضوع الإرادة الحرة، وهو موضوع مهم ومثير للجدل، يشغل بال الفلاسفة والعلماء والدينيين والعامة. طرحنا النقاط الرئيسية والفرعية التي تتعلق بهذا الموضوع، وهي: ما هي الإرادة الحرة ولماذا هي مهمة؟ وما هي الحجج المؤيدة والمنفية لوجودها؟ وما هي التحديات والمشكلات التي تواجهها؟ وما هي النظرية الإسلامية حولها وكيف تتفاعل مع النظريات الأخرى؟ وما هو الرأي الشخصي حولها وهل هي حقيقة أم وهم؟
قمنا بتقييم الحجج والنظريات المختلفة ومدى قوتها وضعفها، ووجدنا أنه لا يوجد إجابة قاطعة أو نهائية على هذا الموضوع، وأنه يحتاج إلى المزيد من البحث والتفكير والحوار. ولكننا انتهينا إلى استنتاج ورأي شخصي، وهو أن الإرادة الحرة هي حقيقة وليست وهما، وأنها نعمة وأمانة ومسؤولية واختبار وفرصة ودعوة وسبب وشرط وجوهر للإنسان، وأنها تتوافق مع الإرادة الكونية والدينية لله تعالى، وأنها تهدف إلى تحقيق الخير والسلامة للفرد والمجتمع. وأن النظرية الإسلامية حول الإرادة الحرة هي نظرية متكاملة ومتوازنة، تجمع بين الإرادة الحرة والقضاء والقدر والإرشاد والإكراه، وتربط بينها بعلاقات من التوحيد والعدل والحكمة والشريعة.
وفي الختام، ندعو القارئ إلى المزيد من البحث والتفكير حول هذا الموضوع المهم، ونسأل الله تعالى أن يهدينا إلى ما يحبه ويرضاه، وأن يجعلنا من الذين يستعملون الإرادة الحرة فيما يرضيه، وأن يغفر لنا ما أخطأنا فيه، وأن يرزقنا الجنة برحمته. والحمد لله رب العالمين.
الأسئلة الشائعة
ما هي الإرادة الحرة ولماذا هي مهمة؟
الإرادة الحرة هي القدرة على الاختيار بين تسلسلات مختلفة من الأحداث بحرية. هي مهمة لأنها ترتبط بقوة مع مفاهيم المسؤولية والمدح والجُرم والذنب ، والأحكام الأخرى التي تنطبق فقط على الأفعال المختارة بحرية. كما ترتبط بمفاهيم النصيحة والإقناع والقصد والمنع.
ما هي الحجج الرئيسية المؤيدة والمنفية لوجود الإرادة الحرة؟
الحجج المؤيدة لوجود الإرادة الحرة تستند على الشعور الداخلي بالحرية والاختيار، وعلى الأدلة النفسية والعصبية التي تشير إلى وجود عمليات ذهنية معقدة تسبق الفعل، وعلى الأدلة الفلسفية والدينية التي تدعم مفهوم الإرادة الحرة كنعمة وأمانة ومسؤولية واختبار وفرصة ودعوة وسبب وشرط وجوهر للإنسان. الحجج المنفية لوجود الإرادة الحرة تستند على الحتمية السببية أو المنطقية أو اللاهوتية التي تقول إن كل الأحداث محددة مسبقاً بسبب أو قانون أو إرادة سابقة، وعلى الأدلة العلمية التي تشير إلى أن الفعل يسبق الإرادة وأن الإرادة تتأثر بعوامل خارجة عن السيطرة، وعلى الأدلة الفلسفية والدينية التي تنفي الإرادة الحرة كوهم أو تصور أو مفهوم غير مفيد أو ضار.
ما هي التحديات والمشكلات التي تواجه مفهوم الإرادة الحرة؟
التحديات والمشكلات التي تواجه مفهوم الإرادة الحرة تتعلق بتعريفها وقياسها وتوافقها مع الحتمية والطبيعة والأخلاق والقانون والدين. فما هي الإرادة الحرة بالضبط؟ وكيف نعرف أن لدينا إرادة حرة أو لا؟ وهل يمكن أن تتوافق الإرادة الحرة مع الحتمية التي تقول إن كل شيء محدد مسبقاً؟ وهل تتوافق الإرادة الحرة مع الطبيعة التي تقول إن كل شيء محكوم بالقوانين الفيزيائية؟ وهل تتوافق الإرادة الحرة مع الأخلاق التي تقول إن كل شيء محكوم بالمبادئ والقيم؟ وهل تتوافق الإرادة الحرة مع القانون الذي يقول إن كل شيء محكوم بالأنظمة والعقوبات؟ وهل تتوافق الإرادة الحرة مع الدين الذي يقول إن كل شيء محكوم بالإرادة الإلهية؟
ما هي النظرية الإسلامية حول الإرادة الحرة وكيف تتفاعل مع النظريات الأخرى؟
النظرية الإسلامية حول الإرادة الحرة هي نظرية متكاملة ومتوازنة، تجمع بين الإرادة الحرة والقضاء والقدر والإرشاد والإكراه، وتربط بينها بعلاقات من التوحيد والعدل والحكمة والشريعة. فالإسلام يؤمن بأن الإنسان ليس مجبرا على أفعاله، وأنه ليس مكرها على شيء، وأنه ليس مظلوما في شيء، وأنه ليس محروما من إرادته الحرة، ولكنه يقول إن الإنسان مقدر على أفعاله، وأنه مرشد إلى الخير والشر، وأنه محاسب على أفعاله، وأنه مجزى على أفعاله. وهذا ما يظهر في القرآن والسنة والإجماع والعقل. وهذه النظرية تتفاعل مع النظريات الأخرى بالتأييد أو الرفض أو التوفيق أو التفسير أو التصحيح أو التكميل، حسب ما يتناسب مع مصادرها ومقاصدها.
ما هو الرأي الشخصي حول الإرادة الحرة وهل هي حقيقة أم وهم؟
الرأي الشخصي حول الإرادة الحرة هو أنها حقيقة وليست وهما، وأنها نعمة وأمانة ومسؤولية واختبار وفرصة ودعوة وسبب وشرط وجوهر للإنسان، وأنها تتوافق مع الإرادة الكونية والدينية لله تعالى، وأنها تهدف إلى تحقيق الخير والسلامة للفرد والمجتمع. وهذا الرأي مبني على الأدلة الشرعية والعقلية والتجريبية التي تدعم مفهوم الإرادة الحرة وتنفي ما ينافيه. وهذا الرأي لا ينفي وجود تحديات ومشكلات تواجه مفهوم الإرادة الحرة، ولكنه يحاول حلها بالطرق المناسبة.