سبق أن ذكرنا أن من الأخطاء التي يمكن أن ترتكب
، وترتكب بالفعل، في تقييم السياسة الاقتصادية المصرية منذ ثورة ١٩٥٢ ، النظر إلى
فترة حكم عبد الناصر، ابتداءً من قيام الثورة وحتى وفاته في ۱۹۷۰ ، وكأنها فترة متجانسة يمكن أن تتخذ
كلها أساسًا للحكم بنجاح أو فشل النظام الاشتراكي أو سيطرة القطاع العام والتدخل
المركزي في الاقتصاد.
نكسة الاقتصاد المصري .. (١٩٦٧ – ١٩٧٠)
فضلا عن أن سياسة التدخل الصارم من جانب الدولة في مختلف
جوانب الاقتصاد المصري لم تبدأ في الواقع إلا في أعقاب حرب ٥٦ ، فإن الظروف التي
تعرضت لها التجربة الناصرية منذ منتصف الستينيات تجعل من الظلم الصارخ إصدار حكم
على الاشتراكية والقطاع العام بناء على أداء الاقتصاد المصري في الستينيات بأكملها.
لقد تضافرت على الاقتصاد المصري منذ ۱۹٦٥ مجموعة من العوامل الخارجية التي حتمت أداء اقتصاديًا باهتا
من غير المتصور
أن يكون بمقدور أية سياسة اقتصادية مهما كانت براعتها ،وحكمتها أن تنقذ الاقتصاد
المصري من الانحدار ثم الركود طوال عشر السنوات التالية (٦٥-١٩٧٥). كان استخدام
تعبير «النكسة لوصف الهزيمة العسكرية في ١٩٦٧ تعبيرًا غير موفق بلا شك، كان
المقصود به تخفيف وقع الصدمة على المصريين فلم ينجح في أداء هذه المهمة بل ربما
زاد من الشعور بمرارتها. ولكن استخدام تعبير النكسة لوصف ما حدث للاقتصاد
المصري لم يكن في الواقع بعيدًا عن الحقيقة، فقد كان يحمل بالفعل إمكانيات الدخول
فيما سمي وقتها بحق بمرحلة الانطلاق»، ثم اندثرت الآمال فجأة ودخل الاقتصاد المصري
بدلا من ذك في مرحلة من الركود الطويل.
على أن من الخطأ أيضًا الاعتقاد بأن انتكاسة
الاقتصاد المصري منذ منتصف الستينيات كانت في الأساس بسبب توقف المعونات الأمريكية
وتضاؤل المعونات الغربية بوجه عام. لم يكن هذا التوقف أو التضاؤل في المعونات
الخارجية أمرًا یستهان به بالطبع، ولكن هناك من الدلائل ما يشير على نحو شبه قاطع
بأن التنمية كان الاقتصادية في مصر من الممكن أن تستمر بمعدل مرض، وإن لم يبلغ مثل
معدلها في السنوات العشر السابقة على ١٩٦٥ ، ودون تضحيات بالغة الشدة في مستوى
الاستهلاك، لولا قيام حرب ١٩٦٧.
كان إجمالي ما حصلت عليه مصر من مساعدات غذائية
من الولايات المتحدة خلال الفترة ٥٨ - ۱۹٦٥ نحو ۲۰۰ مليون جنيه مصري، فلما أوشك حلول موعد
تجديد اتفاقية المعونات الغذائية أبلغ السفير الأمريكي في القاهرة الحكومة المصرية
بأن حكومته ليست على استعداد في الوقت الحاضر للدخول في أي نقاش حول تجديد
الاتفاقية لأنها غير راضية عن سياسة الحكومة المصرية». واكتفت الولايات المتحدة
بمد الاتفاقية لفترات تتراوح بين ثلاثة وستة أشهر حتى توقفت المساعدات الأمريكية
تمامًا في فبراير ١٩٦٧.
انخفاض مذهل في المعونات التي من الدول الغربية والمؤسسات الدولية
إذ بينما بلغ المتوسط السنوي لهذه المعونات كلها (بما في ذلك المعونات الغذائية الأمريكية) ٢٠٠ مليون دولار في ٦١-١٩٦٦ ، انخفض هذا المتوسط إلى ١٦ مليونًا في ٦٧-١٩٦٩. كان المتوسط السنوي للمعونات الغربية خلال سنوات الخطة الأولى يمثل إذن نحو خمس إجمالي الاستثمارات المتحققة خلالها، ومن ثم فإنه في حالة الاستغناء هذه المعونات برمتها في السنوات الخمس التالية كان على مصر تخفيض معدل الاستثمار بهذا القدر، بفرض عدم زيادة مصادر المعونة الخارجية الأخرى والاحتفاظ بمستوى الاستهلاك والادخار على ما كانا عليه. ولكن من الممكن أيضًا أن نتصور أنه كان بإمكان النظام الناصري أن يعوض هذا النقص في الموارد الخارجية أو جزءًا منه على الأقل بزيادة الادخار المحلي عن طريق ضغط الاستهلاك العام والخاص، واتباع سياسات في الأجور والإنفاق العام أكثر تقشفًا، الأمر الذي كان من الممكن أن يستجيب له الناس في مواجهة التعنت الخارجي لو لجأ عبد الناصر إلى تحويل قضية وقف المعونات الخارجية إلى قضية وطنية كما فعل من قبل فيما يتعلق بتأميم قناة السويس. إن هناك من الدلائل ما يشير إلى أن عبد الناصر كان يزمع بالفعل اتخاذ هذا المسلك منذ خطبته الشهيرة في بور سعيد في ٢٣ ديسمبر ١٩٦٤، عندما بدت أولى بوادر عزم الولايات المتحدة على وقف معوناتها، وحينما تحدى عبد الناصر محاولة الولايات المتحدة فرض إرادتها على مصر. على أنه أيا كانت قدرة عبد الناصر الحقيقية على النجاح في هذا المسلك فإن من المؤكد أن العامل الذي حسم الأمر في اتجاه معاكس، وألغى نهائيا احتمال اتباع سياسة اقتصادية أكثر تقشفًا وأشد إصرارًا على تعبئة الموارد المحلية، هو قيام حرب ١٩٦٧.
كان هذا الحل مستحيلاً تصوره في أعقاب الهزيمة
لأكثر من سبب. فأيا كان استعداد الجماهير لقبول سياسة تقشفية كنوع من التحدي للقوى
الخارجية، فإنه من الصعب الارتكان إلى هذا في ظل مناخ عام من الإحباط واليأس ولدته
الهزيمة، وفي ظل انخفاض شعبية نظام عبد الناصر بسبب ما أثارته الهزيمة من شعور
بتقصير المؤسسة العسكرية، وشك في قدرة النظام على الصمود في مواجهة التحدي
الأمريكي والإسرائيلي. كان من شبه المستحيل حينئذ على نظام عبد الناصر أن يضيف إلى
العبء النفسي المتولد عن الهزيمة العسكرية أعباء اقتصادية جديدة للاستمرار في التنمية.
ما ترتب على هزيمة ١٩٦٧ من انخفاض شديد في موارد العملات الأجنبية
الأمر الذي جعل الاستمرار في تحقيق معدل مرتفع
للتنمية مع تحمل أعباء الإنفاق العسكري للاستعداد لحرب جديدة أمرًا في حكم
المستحيل، حتى مع افتراض استعداد الناس لقبول تخفيض كبير في مستوى الاستهلاك. فقد
ترتب على الحرب فقد مصر لآبار البترول في سيناء، وتخريب معامل تكرير البترول في
السويس، وإغلاق قناة السويس التي كانت تدر لمصر سنويًّا ١٦٤مليون دولار في المتوسط
خلال السنوات السبع السابقة على إغلاقها في ١٩٦٧، أي ما يزيد بنحو الثلث على
المتوسط السنوي للمعونات الغذائية الأمريكية خلال نفس الفترة، فضلاً عن الإنفاق
الذي فرضه تهجير نحو مليون شخص من سكان مدن قناة السويس، والانخفاض الكبير في
إيرادات السياحة التي كانت بدورها تدر نحو ۱۰۰مليون دولار سنويًا في المتوسط خلال
السنوات السبع السابقة على الحرب.
كان أمام عبد الناصر إذن في مواجهة كل هذا
اختيار واحد من البدائل الثلاثة
إما أن يضحي بالإنفاق العسكري وأن يقبل
الهزيمة والصلح وقبول أي عرض للتسوية يعرض عليه في سبيل الاستمرار في التنمية، أو
أن يضحي بكليهما: التنمية والحرب في سبيل رفع معدلات الاستهلاك، أو أن يضحي
بالاستمرار في التنمية وألا يسمح يسمح إلا بالحد الأدنى من الزيادة في الاستهلاك
في سبيل الاستعداد لمعركة مقبلة. لم يكن هناك في الواقع بديل آخر ، إذ لم يكن هناك
من الموارد الخارجية من القروض والمعونات ما يسمح بالاستعداد للحرب والاستمرار في
التنمية في نفس الوقت. فالدول والمؤسسات الغربية ما كانت لتعود إلى سابق عهدها في
مد مصر بالقروض والمعونات ما لم تقبل مصر صلحا غير مشرف مع إسرائيل، والتخلي عن
سياسة حماية الصناعة المصرية وتقييد الواردات. ولم يبد من الاتحاد السوفيتي ودول
الكتلة الشرقية الاستعداد لتقديم معونات كافية لتحقيق الغرضين معا وتعويض عما
فقدته من المعونات الغربية. فالمتوسط السنوي لمعونات الكتلة الشرقية التي حصلت
عليها مصر بالفعل تمييزا) لها عن إجمالي التعهدات بلغ خلال الفترة ٦٧ ۱۹۷۲ نحو ١٤٠ مليون
دولار، وهو ما لا يزيد كثيرًا عن المتوسط السنوي لهذه المعونات خلال السنوات العشر
٥٤ - ١٩٦٤ (١١٦ مليون دولار) ، وهي زيادة لم تكن تكفي لتعويض النقص في المعونات
الغربية حيث بلغ النقص في المتوسط السنوي لهذه المعونات كما رأينا، نحو ١٨٤ مليون
دولار.
كان المصدر الأساسي للمعونات المقدمة إلى مصر
في السنوات التالية لحرب هو البلاد العربية، إذ حصلت مصر بناء
على اتفاقية الخرطوم الموقعة في ١٩٦٨ ، من المملكة العربية السعودية والكويت
وليبيا على منح قدرها في المتوسط ٢٨٦ مليون دولار في السنة، وهو مبلغ لا يمكن
الاستهانة به إذ كان يساوي تقريبًا المتوسط السنوي لمعونات الكتلتين الغربية
والشرقية معًا في سنوات ما قبل ١٩٦٧. ولكن معنى ذلك في الواقع أننا إذا اعتبرنا أن
المعونات العربية قد أتت لتعويض النقص في المعونات الخارجية، فإنه كان لا يزال على
مصر أن تواجه بعد ١٩٦٧ كل الآثار الاقتصادية المترتبة على إغلاق قناة السويس،
وفقدان بترول سيناء، ونقص إيرادات السياحة ونفقات توطين المهجرين من منطقة القناة،
فضلاً عن الإنفاق العسكري الجديد. أضف إلى ذلك ما كان على مصر دفعه لخدمة الديون
التي حل موعد استحقاقها في السنوات التالية لحرب ٦٧ ، إذ بلغت قيمة أقساط الديون
المستحقة الدفع خلال الفترة (٦٧-۱۹۷۲) نحو ٢٤٠ مليون دولار في السنة في المتوسط (۱)، وهو ما كان يلتهم وحده الجزء الأكبر
من كل ما تلقته مصر من مساعدات وقروض وتسهيلات خارجية خلال هذه الفترة. فكأن مصر
في السنوات اللاحقة على حرب ١٩٦٧ كان عليها، ليس فقط مواجهة ظروف اقتصادية وسياسية
جديدة غاية في القسوة، بل وكان عليها أيضًا أن تتحمل جزءًا كبيرًا من أعباء
التنمية
السريعة السابقة على ١٩٦٧.
إن هذا هو الأساس الذي نبني عليه قولنا إنه لم
يكن هناك أمام عبد الناصر إلا البدائل الثلاثة المتقدمة، وقد اختار عبد الناصر
البديل الثالث، وهو الاختيار الوحيد الذي كان يسمح له بالاستعداد لحرب جديدة،
والدخول فيما سمي بحرب الاستنزاف، ولو على حساب التضحية بالتنمية والارتفاع بمستوى
الاستهلاك .
دخلت مصر إذن في أعقاب ١٩٦٧ مرحلة من الركود
الاقتصادي استمرت منتصف السعبينيات، وشهدت مصر خلالها فترة من أحلك فترات تاريخها الاقتصادي الحديث. فقد انخفض معدل
الاستثمار من ١٧٪ من الناتج المحلي الإجمالي في ١٩٦٥/٦٤ إلى ۱۱٫۸ في ۱۹۷۰/۱۹، أي ما لا يكاد يزيد علىمعدل الادخار
المحلي (۱۱,۳٪)، وبقي الاستهلاك الفردي (أو العائلي) ثابتًا تقريبًا كنسبة من
الناتج المحلي (٦٥٪)، وذلك للسماح بزيادة الاستهلاك العام (أو الحكومي) من ١٩٧ إلى
٢٤١(١)، وعلى الأخص زيادة الإنفاق الحربي الذي ارتفعت نسبته إلى إجمالي الدخل
القومي من %٩٪ في ١٩٦٥ إلى ١٤ في النصف الثاني من الستينيات.
وقد ترتب على ذلك بالطبع انخفاض شديد في معدل
التنمية من نحو ٦٪ سنويًّا في السنوات الخمس الأولى من الستينيات، إلى نحو %٣ في
السنوات الثماني التالية (٦٥ - ١٩٧٣) ، أي ما لا يكاد يزيد عن معدل نمو السكان.
فإذا أخذنا في الاعتبار ما أصاب المرافق العامة والبنية الأساسية من تدهور بسبب
ضغط الإنفاق على التجديد والصيانة، تبينا أن مستوى المعيشة قد تعرض بلا شك
للانخفاض في تلك الفترة. من أسوأ سمات هذه الفترة أيضًا توقف الاتجاه إلى تصحيح
هيكل الاقتصاد المصري توقفا تاما. فبعد النجاح الكبير الذي أحرزته سنوات الخطة
الأولى في إحداث تغير جذري في هيكل الجهاز الإنتاجي لصالح الصناعة والكهرباء، بقي
نصيب الصناعة والكهرباء في الناتج القومي الإجمالي ثابتاً طوال الفترة ٦٥ - ١٩٧٢
بسبب الانخفاض الشديد في معدل الاستثمار. بل أصابت النكسة أيضًا نمط توزیع الدخل
فتوقفت الحركة نحو تصحيح توزيع الدخل لصالح فئات الدخل الدنيا توقفا شبه تام بسبب
تراخي معدلات التصنيع والتشغيل من ناحية ، وبسبب القيود السياسية التي فرضتها
الهزيمة على حركة عبد الناصر في هذا الاتجاه. من المؤشرات الدالة على ذلك عودة
نصيب الأجور الزراعية في إجمالي الدخل الزراعي إلى الانخفاض من %٣٢ إلى %٢٥ فيما
بين ١٩٦٥ و ۱۹۷۲، وانخفاض نصيب الأجور الصناعية في الدخل الصناعي من %۳۳ إلى %۳۱ خلال نفس
الفترة، بعد زيادة كل منها زيادة ملموسة في السنوات الخمس الأولى من الستينيات.
لم تمنع هذه التضحية بالتنمية من تدهور ميزان
المدفوعات. فقد كان النقص في إيرادات مصر من قناة السويس والسياحة،
والانخفاض الشديد في معونات الدول والمؤسسات الغربية، والزيادة الكبيرة في الإنفاق
العسكري وفي أقساط تسديد الديون، أكبر من أن تستطيع تعويضه الزيادة الطفيفة في
معونات الكتلة الشرقية ومنح الدول العربية وتخفيض الاستثمار. فقد ارتفع المستوى
السنوي لعجز ميزان العمليات الجارية بنسبة %۸٦ (من) ۲۰۲ ميون دولار في ٥٩-١٩٦٦ إلى ٣٧٥ مليون
في ٦٧-۱۹۷۲)، وزاد المدفوع تسديدًا لأقساط الديون طويلة ومتوسطة الأجل من ٥٦
مليون دولار إلى ٢٤٠ مليونًا في السنة، ومن ثم كان على أن مصر تجد مصادر لتمويل
عجز إجمالي في العملات الأجنبية قدره ٦٢٥ مليون دولار في السنة. اعتمدت مصر في
تغطية هذا العجز على المنح المقدمة من بعض الدول العربية طبقًا لاتفاقية الخرطوم
(٢٨٦) مليون دولار) ثم قروض الكتلة السوفيتية (١٤٠ مليونًا)، وتمت تغطية الباقي
بالسحب من احتياطي العملات الأجنبية (۳۰) مليونا وبتسهيلات الموردين من الدول
الغربية (۱۳۳) مليونا وبالاقتراض قصير الأجل من البنوك التجارية (۳۷) مليونًا.
لا بد أن نلاحظ إذن أنه على الرغم من الصعوبات
التي واجهت الاقتصاد المصري في أعقاب ١٩٦٧ ، لم يكن من بين الحلول التي لجأ إليها
عبد الناصر إغراق مصر بديون لا تستطيع الوفاء بها. فمع ضخامة الأعباء، والتضاؤل
الشديد في الموارد الذاتية، كان سد العجز يتم في الأساس بالمنح التي لا تولد أية
أعباء مالية، أو بالقروض من الكتلة الشرقية ذات الشروط بالغة اليسر. ولم يلجأ عبد
الناصر إلى الاقتراض باهظ التكلفة الاقتراض قصير الأجل وتسهيلات الموردين) إلا في
حدود لا تتجاوز ۲۷٪ من إجمالي العجز في العملات الأجنبية. كان الثمن الذي دفعه الاقتصاد
المصري لذلك يتمثل في الانخفاض الشديد في معدل التنمية، ولكنه كان في اعتقادنا
يمثل اختيارًا حكيمًا، إذ كان من شأن التورط في الديون في تلك الفترة أن يجبر مصر
في وقت لاحق على التخلي عن أية محاولة لمتابعة مسيرة التنمية
المستقلة التي بدأها عبد الناصر في نهاية
الخمسينيات. كان شأن هذا الاختيار أن كانت مصر وقت وفاة عبد الناصر لا تحمل إلا
عبئًا هينا نسبيا من الديون، فيقدر خالد إكرام إجمالي ديون مصر المدنية بما في ذلك
كل الديون طويلة ومتوسطة وقصيرة الأجل) في ٣١ ديسمبر ۱۹۷۱ ، أي بعد نحو سنة من وفاة عبد الناصر
بما لا يزيد على ۱۳۰۰ ملیون دولار، لا تزيد نسبتها إلى الناتج القومي الإجمالي على نحو
الربع وبلغت نسبة خدمة الديون كلها، مدنية وعسكرية، وبمختلف أنواعها، طوال السنوات
من إجمالي الصادرات من السلع والخدمات.
إن من المفيد تذكر هذه الأرقام حينما نأتي لوصف
حالة المديونية الخارجية لمصر في نهاية الثمانينيات، إذ إن ما كان يبدو عبئًا
باهظًا في ١٩٧٠ يبدو الآن عبئًا يسيرا للغاية إذا ما قورن بحجم المديونية وعبء خدمة الديون بعد وفاة
عبد الناصر بعشرين عامًا. كما أن من المفيد أن نتذكر الفارق البين بين هيكل
المديونية في نهاية حكم عبد الناصر وهيكله في ۱۹۹۰ . ففي نهاية ۱۹۷۱ كان إجمالي الديون المدنية موزعا
بالتساوي تقريبًا بين الكتلتين الشرقية والغربية، فبينما كانت الديون المستحقة
للاتحاد السوفيتي ودول أوربا الشرقية والصين تشكل نحو ٤٣٪ من إجمالي ديون المدنية،
كانت الديون المستحقة للدول والمؤسسات الغربية والبنك الدولي تشكل ٤٦٪ ، والباقي
كان دينا للكويت. وسوف نرى كيف زال هذا التوازن بالتدريج خلال السبعينيات
والثمانينيات حتى أصبحت الديون المستحقة للدول والمؤسسات
الغربية مضافا إليها اليابان تشكل النسبة
العظمى من إجمالي مديونية مصر.
المصدر كتاب : قصة الاقتصاد المصري _ جلال أمين